الخميس، 18 نونبر 2010

الأسيــــــر836: رحلة العودة من الجحيم(الحلقة الثالثة)

الأسيــــــر836:
رحلة العودة من الجحيم.....
"إذا لم تستطع أن تقولها فلا يمكن أن تهمس بها"، قولة الفيلسوف لودفيغ فيتغينشتاين.

بقلم: محمد الامين موراد.

v      تأسيس جبهة التحرير والوحدة في مواجهة المد الانفصالي للبوليساريو.
            ولا بد من الوقوف مليا عند هذه الفترة لذكر بعض الأسباب التي أسهمت في تأسيس النواة الأولى لجبهة البوليساريو، حيث تعودنا دائما أن نلقي أخطاءنا على الآخر وأن نختار شماعة لنعلق عليها ذنوبنا ، ذلك أنه في نظري المتواضع لا يمكن أن نتجاوز هذا المشكل إلا من خلال القيام بنقد ذاتي نلامس من خلاله الجرح ونحاول التأسيس فيه لمرحلة جديدة تمتد فيها جذور الثقة من هنا حيث نحن إلى مخيمات لحمادة في الرابوني .
            ذلك أنه في سنوات السبعينات ستعرف مدينة طانطان قدوم أعداد كبيرة من أبنائها حاملي الشهادات العليا والعاطلين عن العمل والمشبعين بالفكر الثوري السائد آنذاك في المغرب وفي العالم بشكل عام والمتمثل في الفكر اليساري . هؤلاء الشباب سيصطدمون بمرارة الواقع بمدينة طانطان حيث الفقر والتهميش والإقصاء ، بل حتى "الاحتقار" من طرف بعض مسؤولي الإدارة آنذاك ونذكر بالتحديد القائد العكوري رئيس دائرة مدينة طانطان . ويكفي أن نذكر أن الوالي مصطفى السيد مؤسس جبهة البوليساريو ورمز ثورتها والذي كان يدرس بكلية الطب بجامعة محمد الخامس بالرباط آنذاك كان يشتغل بأجرة لا تتعدى  04 أربعة دراهم لليوم بالإنعاش الوطني وتحت إمرة القائد السالف الذكر والذي لم يكن يتجاوز مستواه التعليمي المستوى الإعدادي.
            وقد كانت البدايات الأولى لتأسيس جبهة البوليساريو من خلال اجتماعات تعقد في بعض المنازل يؤطرها الوالي مصطفى السيد الذي كان له حضور قوي وكان شخصا ذا قامة كونية ذكي وحاضر البديهة وخطيبا بامتياز ، كانت له قدرة قوية على الإقناع واستمالة الأعداء قبل الأتباع ، وقد كان لشخصيته دور كبير في وصول جبهة البوليساريو إلى ما هي عليه الآن ، ولولا قصر النظر لدى القائمين على الإدارة المغربية آنذاك لاستفادت بلادنا من شخصيته المميزة اليوم .
            بعدها سيقرر هؤلاء الشباب تنظيم مظاهرات تطالـب بفتـح الباب مـن أجــل تحــرير الصحراء التي كانت ترزخ آنذاك تحت نير الاستعمار الاسباني،حيث كانت الأخبار تصــــل لمدينة طانطان حول اندلاع "انتفاضة الزملة" سنة 1970 بمدينة العيون ، وحول اعتقال الشهيد سيدي إبراهيم بصيري وهو طالب صحراوي استكمل دراسـاته الجامعية بكـل مـن دمشق ومصر والذي سيستلهم العقيدة الثورية لغيفارا وسيطعمها ببعض الأفكار الأصولية بسبب تأثره بحركة الإخوان المسلمين فــي مصر ، هـذا الأخيــــر سيقـــوم بإصدار جريدة الشموع ،وسيؤسس في الخفاء أول حركة جنينية لمقاومة الاحتلال الاسباني تحت مسمى : حركة تحرير الصحراء ، إلا أنه اختفى بعد انتفاضة الزملة في ظروف لازالت غامضة لحد يومنا هذا،  وتحــدث البعض عــن قتله من طرف الاستعمار بوضعـه فـي إناء كبير به ماء يغلي ، هــذه الأخبار والشائعات كــان لهــا وقــع كبيــر فـي نفــوس الشباب المتحمس والمتعطش لتحرير أرضه ولو بالدم .
والحق يقال وللتاريخ فقط أن هذه المظاهرات كانت في بداياتها وطنية وحدوية ومغربية شعارها :" إسبانيا أوربية والصحراء مغربية " ، إلا أن ردة فعل القائمين على الأمور آنذاك كانت جد عنيفة حيث تم قمع هذه المظاهرات بالقوة .
أمام هذا الواقع المر سيقرر هؤلاء الشباب من خلال اجتماعات سرية سيتم عقدها فيما بعد الخروج بخلاصة مفادها أن المغرب لن يكون قاعدة خلفية من أجل تحرير الصحراء. وأمام آلة البطش والقمع الموجه ضدهم سيفرون إلى مناطق للحدود بين المستعمرة الاسبانية ومدينة طانطان وخاصة منطقة" جبال أيدار" و"جبال زيني" وهي مواقع محصنة ، وستكون نقاط بداية العمليات الحربية التي سينظمها هؤلاء الشباب المغاربة ضد المستعمر الاسباني حيث إلى هذا التاريخ لم تكن فكرة الانفصال عن المغرب حاضرة في الأذهان ولم تكن من أطروحات البوليساريو آنذاك ، وقد كانت هذه المجموعات تتلقى الدعم  اللوجيستيكي من الموطنين العاديين بمدينة طانطان بشكل سري ودون علم الإدارة آنذاك .
            فـي هذه الفترة كــان العـالـم يعيـش علـى منطـق الحـرب البـاردة وصـراع القطبيـن ، وكـان الشبـاب يحلمون بثورة لإخراج المستعمر الاسباني من الصحراء مستلهمة فكرها من وحي أساليب وطرق حرب العصابات التي أرساها أرنستو تشي غيفارا.
            مشـروع غيفـارا سيكـون النبـراس فـي حـرب الصحـراء بين المغرب والبوليساريو ، ففي كتاب للجاسوس الكوبي السابق : خوان فيفيس إلياس تحت عنوان :" النقي –EL MAGNIFICO  " يشـرح كيـف أرسـى أرنستـو تشـي غيفـارا الـدعائـم الأولـى لتأسيـــس البوليساريو فـي زيـارة لـه للجزائـر سنـة 1963 . ويحكـي تفاصيـل إقامـة المـراكز الأولى لتدريب عناصـر البوليساريـو ، فضـلا عـن تنظيـم رحـلات تـدريب إلـى كـوبا يشرف عليها خبراء عسكريون كوبيون وروس.
            الطلبــة الصحراويون فــي الجامعــات المغربية كانوا في معارضة إيديولوجية على طول الخط مع زملائهم من الجهــات الأخـرى للمملكة ، لذلك سيجعلــون مـن هـذه الحركة هدفا موحدا لهم من أجل خوض حربهم الثورية بهدف  اقتراح مشروع مجتمعي مستوحى من المثال الشيوعي.
            لكــن هـذه الثـورة تستدعـي قائـدا ملهما لهـا ، هــذا الأخيـر لــن يكـون غير الوالي مصطفى السيـد طالـب صحـراوي فـي كليـة الطـب بجامعـة محمـد الخامـس بالربـاط شــاب عصامي من عائلة فقيرة متأثر بشخصية غيفارا ويحاول استلهام منهجه الثوري.
            ورغم كل ما سبق فإن ذلك لــم يمنــع الوالــي مصطفــى السيد  في سنة 1969 من طرق باب حزب الاستقلال بل أكثر من ذلك الديوان الملكـي مـن أجــل دعــم حركته الرامية إلى تحرير الصحراء من نير الاحتلال الاسباني لكن دون جدوى.
            في هذه الأثناء ستعرف المنطقة ظهــور "حــركة تحرير الرجال الزرق" تحت قيادة إدوارد موحا  والذي اتخذ لقبا له : محمــد الركيبـي ،والتــي تعتــرف بالحقــوق التـاريخية للمغرب في الصحراء.
            الوالي مصطفــى السيــد الــذي سيخلـص إلى أنه لا يستطيع الحصول على دعم من الرباط سيقرر استباق الأحــداث ، سيقــوم بدمــج العناصــر الثوريـة لغيفــــارا مع المبادئ الإسلامية لسيدي محمد بصيري وسيصهرها في بوتقة " الحركة الجنينية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب " والتي ستتحول إلى "الجبهة الشعبية لتحرير الساقيــة الحمـــراء ووادي الذهب" بتاريخ :10 مايو 1973 بمدينة الزويرات الموريتانية.
حيث سيتمكن الوالي مصطفى من ربط الاتصال بالمخابرات الجزائرية وبمديرها قاصدي مرباح وذلك من خلال شخص محمد لمين ولد البوهالي  المنحدر من قبيلة الركًيبات الشرق والذي يعتبر بالمعنى الواسع للكلمة في أدبيات أهل الصحراء أحد أخوال الوالي مصطفى السيد والذين يعتبرون من وجهاء وأعيان قبيلة الركًيبات الشرق ، وهو ما سيكون له أثر كبير في التعاطف الذي عرفته جبهة البوليساريو من طرف الصحراويين "بتيندوف" و" بشار" و"العبادلة" وجنوبا إلى" برج المخطار"، ذلك أن العصبية القبلية لازالت تلعب دورا كبيرا في الصحراء.
بعد هذا التاريخ ستتسارع الأحداث وسيرتمي الوالي مصطفى السيد ومن معه في أحضان الجزائر ومن بعدها في أحضان الثورة الليبية واللتين ستفتحان ذراعيها لجبهة البوليساريو وستوفران لها مختلف أنواع الدعم العسكري واللوجيستيكي والغطاء السياسي بعد أن كانت هذه الحركة مجرد زمرة من الشباب العزل والذين لا حول لهم ولا قوة ، وكان بعض مسؤولينا يضحكون ملئ أفواههم ويرددون : "دعوهم يفرون فمبجرد إنتهاء زادهم سيعودون "، لكن التاريخ أثبت أن هؤلاء الشباب المستضعفين والمظلومين من أبناء وطنهم لم يعودوا لأن زادهم لم ينتهي بسبب السخاء الجزائري والليبي.    
وبالموازاة مع تأسيس جبهة البوليساريو سيقوم المغرب بالإعلان عن تشكيل جبهة التحرير والوحدة المغربية بشقيها السياسي والعسكري والتي كان هدفها الأساسي تحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني .
وقد كنت من أوائل الذين انخرطوا في هذه الجبهة تحت قيادة المرحوم حبوها لحبيب (مجموعة ألف) حيث خضعنا لفترة تدريبية خاصة ب "سيدي ورزك" جنوب مدينة سيدي إفني ، وكانت التدريبات التي تلقيناها عبارة عن تداريب للقوات الخاصة (الكومندوس).
لنتوجه في وقت لاحق إلى المنطقة الحدودية مع القوات الاسبانية بمنطقة "عكلة الإبل" جنوب شرق مدينة طانطان حيث قمنا بالهجوم على موقعي "أجديرية" و"حوزة" للقوات الاستعمارية الاسبانية ، ناهيك عن القصف اليومي لمواقع العدو والذي تكبد العديد من الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد .
وبعد حصول الاستخبارات العسكرية المغربية على معلومات مضللة تفيد بانسحاب القوات الاسبانية من مواقعها ب "حوزة" و "أجديرية "و"الحكونية" سيتم أسر النقيب أبا الشيخ أباعلي  و35 فردا بعد أن تم نصب كمين لهم بالمحبس ، حيث سيتم سجنهم بمعسكر اللفيف الأجنبي بمدينة الداخلة ، في حين لم تنطلي هذه الحيلة على المجموعات الأخرى .
وفي شهر أكتوبر1975 سيطرنا على موقع "أجديرية" بعد أن تم إخلاؤه من طرف القوات الاسبانية التي بدأت تصلها أنباء عن استعدادات المغرب لإطلاق المسيرة الخضراء ، وقد اشتبكنا في هذا التاريخ مع قوة  صغيرة لجبهة البوليساريو ب "وادي أكسات" دون حدوث إصابات في صفوفنا ، لنتوجه فيما بعد وذلك في شهر ديسمبر إلى مركز "الحكونية" حيث تعرضنا لثلاث هجمات ليلية مباغتة من طرف قوات البوليساريو.
وبعد أن تم استرجاع مدينة العيون من القوات الاستعمارية الاسبانية سندخلها في شهر يناير1976 ، لنتوجه بعدها في شهر فبراير من نفس السنة إلى منطقة "أمكالة" لصد الهجوم الجزائري الذي قام باحتلالها من خلال فيلق للمشاة مدعومة بالمدفعية الثقيلة وبقوات من البوليساريو، وقد استطاعت قواتنا الباسلة من صد الهجوم الجزائري وأسر 104 من الجنود الجزائريين ، وقد أصيب في هذه المعركة النقيب المرحوم حبوها لحبيب بجروح خطيرة في ساقه.
ويومه : 27 فبراير1976 الموافق لتاريخ إعلان "الجمهورية الصحراوية"والذي جاء كرد فعل على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء ،سنخوض معركة ضد قوات البوليساريو بمنطقة "توكات" الشهيرة  كانت الأعنف من بين المعارك التي شاركت فيها وقد دامت 10 أيام دون انقطاع.
وفي شهر مارس من نفس السنة هاجمنا مركزا متقدما لقوات البوليساريو ب "جرف سعدون" نواحي منطقة الفارسية ، حيث ستضطر هذه الأخيرة إلى الانسحاب، وبعدها بأيام قلائل سنشتبك مع هذه القوات بعد أن كنا نقوم بعملية مسح لمنطقة "بن زكا" المحاذية للضفة الشرقية للوادي الساقية الحمراء.
بعد هذا التاريخ وفي شهر أبريل وفي إطار دورية استطلاع عادية لمواقع العدو اشتبكنا مع هذا الأخير بمنطقة "المريجنات "و"حاسي المطلاني" ب "منطقة التفاريتي" لنعود من جديد لمنطقة "أمكالة" ، وطيلة هذه الفترة لم يمر علينا يوم دون القصف والقصف المتبادل مع قوات العدو.
وفي شهر شتنبر من سنة 1976 عدت إلى مدينة طانطان حيث صدر قرار بحل جبهة التحرير والوحدة ، لأتوجه إلى مدينة جرسيف حيث عينت برتبة رقيب باللواء الثالث للمشاة المحمولة تحت قيادة العقيد إبراهيم أوشطو ، ثم التحقت  شهرا بعد هذا التاريخ إلى مدينة الزاك حيث سيكتب لي المشاركة في معركة" لعكد" غرب مدينة تيندوف بمسافة تقدر ب70 كلم مع عناصر من جبهة البوليساريو وكتيبة من الجيش الجزائري ، حيث سيتمكن النقيب أيدا التامك من أسر ضابطي صف جزائريين مكلفين بالمواصلات اللاسلكية ونقل المعلومات الحربية .
وفي شهر ديسمبر من نفس السنة اشتبكنا مع قوات للبوليساريو عند منطقة تسمى :"ظلعة اللادمية" بالحمادة الكبرى حيث استمرت المعركة 48 ساعة دون انقطاع وقد تكبد العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد .
وفي شهر فبراير من سنة 1977 سنخوض معركة مع العدو بمنطقة "واد الناصر" بالحمادة الكبرى استمرت مدة ست ساعات .
وفي شهر مارس سيصدر قرار من القيادة العليا بنقلي إلى الوحدة الخاصة رقم :02 تحت قيادة النقيب محميدي حبدي والمكلفة بالتدخل السريع وحماية خطوط الإمداد وذلك  ببوكراع .
ولا بد لي من الوقوف هنا للحظات لأتحدث عن المرحوم محميدي حبدي ، ذلك الرجل الوطني الشهم والمخلص لوطنه ، أحد المدافعين الأوائل عن الوحدة الترابية و أحد خدام العرش الأوفياء .
ذلك أنه رحمه الله من أوئل الذين شاركوا في معركة "تكل" الكبرى ضد قوات الاستعمار الفرنسي بالأراضي الموريتانية، كما أنه شارك فيما يزيد عن 50 معركة ضد قوات البوليساريو .
            وطيلة هذه المدة وإلى تاريخ أسري من طرف قوات البوليساريو يومه:19 أبريل 1981 شاركت في 14 معركة كانت الأعنف في تاريخ الصراع بالصحراء وهي كالتالي: "معركة أوليتيس" شهر ماي 1977 ، معركة "شلخة اللبن" شهر شتنبر من نفس السنة ، "معركة أم غريد" شهر مارس 1978 ، معركة أوليتيس الثانية شهر أبريل من نفس السنة ، معركة أم أدريكة  شهر مارس 1979 ،"معركة أمات أبديديز" في الشهر الموالي من نفس السنة ،"معركة أودي الكزاح" شهر يونيو 1979 ، "معركة أم أبدوز" شهر أغسطس من نفس السنة ، تلتها "معركة أم الشكاك" في شهر شتنبر من نفس السنة ، ثم "معركة الخط "شهر مارس من سنة 1980 ، والمعركة العنيفة التي تسمى "معركة سبخة أريدال" والتي استمرت من الواحدة زوالا إلى حدود التاسعة ليلا وذلك في شهر يونيو 1980  ، وصد الهجوم على مدينة العيون والمعروف ب "معركة المسيد" و"معركة الجحيفة" وهي من أخطر العمليات العسكرية التي قامت بها جبهة البوليساريو ضد قواتنا المسلحة الملكية إذ لم تكن تفصلهم عن مدينة العيون سوى 26 كلم ، وقد رقيت على إثر هذه المعركة إلى مرتبة رقيب أول ،وتم توشيح صدري بوسام النجم الحربي .
                                                                                                     








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق