الأسيــــــر836:
رحلة العودة من الجحيم.....
"إذا لم تستطع أن تقولها فلا يمكن أن تهمس بها"، قولة الفيلسوف لودفيغ فيتغينشتاين.
بقلم: محمد الامين موراد.
أسير الحرب السابق لدى جبهة البوليساريو عمر مراد بن أحمد ، رقم التسجيل لدى منظمة الصليب الأحمر الدولي : 836 ، مدة الاعتقال : 14 سنة و16 يوما . أحد أفراد أسرة المقاومة وجيش التحرير ، عضو جبهة التحرير والوحدة ، وضابط صف مساعد متقاعد بصفوف القوات المسلحة الملكية.
من قبيلة الركًيبات المجاهدة فخد أولاد داوود ابن المجاهد أحمد ولد سيد احمد سليل أسرة معروفة بجهادها ضد المستعمر الفرنسي والاسباني على حد سواء.
أخ الشهيد : بوبا ولد أحمد الذي أعدم من طرف القوات الاستعمارية الاسبانية بمعية تسعة من المجاهدين رميا بالرصاص سنة 1958 ، بعد أن تم أسرهم في إطار عملية كوفيون (عملية المكنسة) المشتركة بين الاستعمارين الفرنسي والاسباني ضد المقاومة المسلحة التي كانت تعرفها الصحراء آنذاك .
وقد تم دفنهم في نفس المكان الذي أعدموا فيه بالقرب من روضة الولي الصالح سيدي أحمد لعروسي ، ومكانهم معروف لدى القاصي والداني إلا عند مصالح المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ، والتي لم تقم لحد الساعة بإحياء ذكراهم من خلال نصب تذكاري أو أي شيء من هذا القبيل يذكر الأجيال القادمة أن هناك من سطروا بالدم النفيس تاريخ المغرب الحديث .
مزداد ببادية الساقية الحمراء سنة 1941 في فترة كان المغرب ومعه أقاليمه الجنوبية تعرف تكالب الأطماع الاستعمارية عليها من طرف المستعمرين الفرنسي والاسباني .
ففي السنوات التي سبقت هذه السنة والسنوات التي تلتها عرفت الصحراء توالي مجموعة من الأحداث المتسارعة كان من جملتها هجوم المقاومين الصحراويين على مركز لبيرات الفرنسي مما أدى إلى مقتل 55 جندي فرنسي وغنم 105 بنادق و20000 صندوق من الذخيرة و500 جمل كما استشهد 14 مقاوما.
وفي أوائل شهر مارس من سنة 1913 المقدم الفرنسي موراي ينظم حملته المشهورة قصد متابعة الصحراويين في مجموعة قوامها 400 رجل حيث سيدخل مدينة السمارة التي دمرها وأحرق مكتبتها التي كانت تضم أكثر من 5000 كتاب ومخطوط يديوي.
وستعرف سنة 1920 بداية التنسيق العسكري الفرنسي الاسباني، كما ستشهد المنطقة خلق مركزين تجاريين على الشواطئ الصحراوية وكذا تكوين اللفيف الأجنبي بهدف مساعدة وحماية المصالح الاسبانية ما وراء البحار.وفي أكتوبر من نفس السنة سيضع الحاكم الاسباني "بنس" العلم الاسباني فوق تراب مدينة الكويرة.
وفي 03 أكتوبر من سنة 1925 سيهاجم المقاومون الصحراويون الحامية العسكرية الاسبانية في بوجدور، لتليها في سنة 1931 معركة الشطمان ثم معركة أغوينيت ضد المستعمر الفرنسي في التراب الموريتاني.
وفي 18 غشت 1932 ستقع معركة أم التونسي التي خاضها المقاومون الصحراويون ضد القوات الفرنسية ، تم خلالها قتل ملازم أول إسباني و05 ضباط وعدد من المجندين في صفوف القوات الفرنسية.
لتتوالى بعدها المعارك الطاحنة ضد المستعمر كمعركة توجونين ومعركة ميجك التي استشهد فيها علي ولد ميارة ومعارك شرواطة التي روعت الفرنسيين في الكثير من مواقعهم.
و على العموم فإن الوضع لن يستتب للمستعمر إلا مع أوائل سنة 1936 بعد استكمال إسبانيا إحتلالها لشمال المنطقة وإخماد جذوة المقاومة إلى حين، حيث سيتم تشييد مدينة العيون سنة 1940 على بعد 19 كلم من المحيط الأطلسي بعد أن اكتشف المقدم الاسباني ديل أورو مصدرا ضخما للمياه بها.
كان هذا وبإيجاز الوضع العام بالصحراء قبيل ولادتي ،وقبل أن أخوض في ذكر تجربتي المتواضعة، لابد أن أوفي قدر ما استطعت ذكرى والدي الغالي الذي كانت لشخصيته الفذة والمتميزة الصدى الطيب في تكوين ملامح شخصيتي والتأثير على تحديد خياراتي المستقبلية.
ذلك أن والدي رحمه الله كان من أوائل من حملوا البندقية ضد الاستعمار ، حيث شارك في عدة معارك كانت أهمها معركة توجونين ضد الاستعمار الفرنسي سنة 1933 برفقة المجاهد الكبير علي بويا ولد ميارة وشقيقه المجاهد الكبير حمدي ولد ميارة.
ذلك أنني لازلت أتذكر عندما كنت أسامر والدي رحمه الله ليحكي لي قصص الملاحم البطولية التي خاضها أبناء الصحراء ومنها المعركة السالفة الذكر التي دارت رحاها بين ما يقارب :300 فرد من قبيلة الركٌيبات على مركز محصن للقوات الفرنسية يضم فيلقا من الفرنسيين ومجندي المستعمرات الفرنسية قوامه تقريبا :1000 جندي .
ابتدأت رحى المعركة عند حدود الساعة الخامسة صباحا ولم تخمد نارها إلا بمقتل قائد الفيلق الفرنسي في حدود الساعة الثانية زوالا، حيث تكبد هذا الأخير خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
ورغم إصابة والدي بطلق ناري في يده اليسرى استطاع بمعية علي بويا ولد ميارة من سحب وإنقاذ المجاهد حمدي ولد ميارة من الموت المحقق بعد أن أصيب في نحره برصاصة اخترقت رئته.هذا الأخير سيطيل الله عمره ليشهد فيما بعد ملاحم جيش التحرير لتوافيه المنية فيما بعد سنة 1972 بمدينة طانطان .
ولازلت أتذكر كيف كان علاج والدي لجرحه من خلال حشو موضع الجرح المكوي بالنار برماد نبتة تسمى: "الحلفة" من أجل وقف النزيف، وهو الأمر الذي إن قلته لأحد اليوم فلن يصدقك ، ومع ذلك فقد عاش هؤلاء الأبطال ليرووا لنا وللأجيال اللاحقة قصص أمجاد أمة تأبى الخنوع والخضوع للاستعمار.
بعد هذه المعركة سيشارك والدي تغمده الله برحمته في معركة أخرى ضد المستعمر الفرنسي بمنطقة وادان برفقة المجاهد الكبير أحمد ولد حمادي والمجاهد الكبير إسماعيل ولد الباردي والمجاهد الكبير علي بويا ولد ميارة الذي أتينا على ذكر اسمه سلفا ، حيث لم يتجاوز عددهم أربعين فردا في مواجهة كتيبة فرنسية متنقلة قوامها مئتي جندي عبارة عن جنود فرنسيين وأفارقة زنوج وما يطلق عليه "كوميات " وهم عبارة عن مجموعة من المجندين من القبائل الموريتانية. حيث نصب لهم المجاهدون كمينا في الساعة السادسة صباحا حيث استمرت المعركة حتى حدود الساعة التاسعة صباحا، و انتهت بتكبد العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد..
بعد انتهاء المعركة وخوفا من قدوم الدعم الفرنسي والمطاردة سيتفرق المجاهدون إلى مجموعات صغيرة، حيث سيتوغل والدي شرقا مع خمسة من رفاقه في الصحراء تجاه منطقة وعرة معروفة بكثبانها الرملية الشاسعة.
استغرقت رحلتهم ستة أيام ليصلوا إلى منطقة مقطير، ليتجهوا منها بعد ذلك إلى الشمال في محاولة لتضليل سرايا الاستطلاع التي كانت تقتفي أثرهم ، وبعد ثلاثة أيام أخرى أي في اليوم التاسع سيكتشفون وجود دورية للاستعمار "صنكا" ، تكفل والدي بمراقبتها ليلا والتسلل إلى معسكرها ونزع قيود الجمال التي كانوا يمتطونها ، ليتركهم لمصيرهم وسط الصحراء في مواجهة الموت .
وقد ظل والدي لا يدع فرصة تفوته دون أن يقف بالمرصاد للمخططات الاستعمارية التي تحاك ضد وطننا الحبيب ، وهي الرؤية والطرح الذي غرسه في أنفسنا حيث ظل يدعونا للجهاد ضد المحتل إلى أن وافاه الأجل المحتوم برأس الخنفرة شمال مدينة السمارة عن عمر يناهز المائة سنة.
سنعود إلى قصتي أنا والتي ستبتدئ بانضمامي يوم:01فبراير1957 على يد قائد المقاطعة 14 السيد مولود الخميسي وعمري لا يتجاوز 16 سنة بمدينة كلميم ، وبإيعاز من المناضل الكبير حسن ولد الكرشا الذي يشهد له الجميع بإقناعه لمجموعة تتكون من 35 فردا من المجندين الصحراويين في صفوف الجيش الفرنسي بمدينة تيندوف للالتحاق بصفوف جيش التحرير المغربي وكان من ضمن الذين استطاع استقطابهم : حمدي ولد عبد الله ولد الفاضل صهر محمد عبد العزيز والعمدة السابق لمدينة تيندوف ووالد خديجة حمدي وزيرة الثقافة في" الجمهورية الصحراوية" ، والذي سيلتحق في وقت لاحق بالجزائر بسبب سوء المعاملة وقصر النظر لدى المتحكمين في دواليب الإدارة المغربية آنذاك.
كما كان ضمن الذين استطاع إقناعهم بالعودة إلى أرض الوطن السيد نفعي ولد أحمد عمر والملقب ب "الكفاح" وهو أحد كبار أعيان قبيلة الركًيبات فخد سلام.
بعد التحاقي بجيش التحرير خضعت لفترة تدريبية على الرماية كما تعلمت أساسيات مهنة التمريض ، وقد تنقلت خلال هذه الفترة بين مجموعة من المراكز التي رابط بها جيش التحرير وأذكر بالتحديد : عيون إغمان شمال مدينة طانطان ثم تافنيديلت ثم منطقة أيت باعمران .
وفي سنة 1958 وبعد الانشقاقات التي عرفها جيش التحرير بإيعاز من الخونة وعملاء الاستعمار والذين شككوا في إخلاص هذا الأخير للعرش العلوي المجيد، والتي كان من نتائجها تجريد مجموعة القائد محمد خر من قبيلة إزركيين من سلاحها، وهي التي تتشكل من مجموعة تضم مائة فرد من نفس القبيلة السالفة الذكر،ويعتبر محمد خر أحد الشخصيات الصحراوية الوطنية التي تحظى باحترام وتقدير كبير من طرف قبائل تكنة والقبائل الصحراوية الأخرى بشكل عام.
ثم أعطي الأمر بعد ذلك لتجريد مجموعة تتكون من ثلاثمائة فرد من المقاطعة الثامنة والتي كانت تحت قيادة السيد: ناضل الهاشمي والتي يشكل أبناء قبيلة الرقيبات معظمها، حيث سيرفض هؤلاء هذا القرار الذي اعتبروه قرارا يمعن في إهانتهم فضلا عن تشكيكه في وطنيتهم، لهذه الأسباب ستقوم مجموعة منهم بالسطو على مخزن الأسلحة التابع لجيش التحرير بمدينة طانطان وإعادة توزيعها على جميع المنخرطين من جميع القبائل الصحراوية على حد سواء ، وقد سمي هذا العام ب " عام أداكديك الماكازا".
وكانت هذه البداية للانشقاق داخل صفوف جيش التحرير حيث سيلتحق بعض أفراده بالصحراء آنذاك والواقعة تحت السيطرة الاسبانية ، وتوجه البعض الأخر للشقيقة موريتانيا في حين توجه البعض الأخر إلى تيندوف الخاضعة حينها للسيطرة الفرنسية.
وهي الأحداث التي سيتم استغلالها في أدبيات البوليساريو لإذكاء نقمة الصحراويين ضد المغرب واستقطابهم إلى صفوفها على أساس الترويج لوجود صفقة سرية تخلت بموجبها الرباط عن الجيش وتجريده من السلاح مقابل انسحاب اسبانيا من اقليمي الطرفاية وايفني.
على إثر هذه الأحداث سيتم عقد مؤتمر بوخشيبية بمنطقة جنوب الطانطان ب 60 كلم ،والذي حضره الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله الذي كان حينها وليا للعهد وبرفقته الملازم أحمد الدليمي.
وقد حضر هذا التجمع الجماهيري الذي أريد منه تطييب خواطر الذين في نفوسهم شيء من الضيق تجاه ممارسات بعض قيادي جيش التحرير جمع غفير من أبناء الصحراء من مختلف القبائل بما فيهم وجهاء وأعيان هذه القبائل ونذكر : القائد لحبيب ولد البلال والقائد مولاي ولد محمد البشير ، والشيخ محمود ولد الخليل والشيخ سلامة ولد الخليل ، والشيخ سعيد ولد محمد فاضل والشيخ محمد أحمد ولد الحاج والشيخ الغزواني ولد أباه والقائد الركيبي خليلي ولد محمد البشير والد محمد عبد العزيز أمين عام جبهة البوليساريو، والقائد محمود ولد بلا ، والقائد محمد لمين ولد باهيا ولد داحا والقائد حمدا أحمد بن محمد المعروف بولد أشكيريد ، والقائد علي بويا ولد ميارة وإخوته: حمدي ، الشيخ وسيداح والهيبة ، والقائد أبا الشيخ ولد أباعلي ، والقائد البلال ولد هدى رحمه الله والد القيادي في جبهة البوليساريو سيد احمد بطل ، والقائد مهمد ولد زيو الذي التحق فيما بعد بصفوف جبهة البوليساريو حيث كان يشغل منصب وزير العدل ،وذلك بعد أن رفض القائمون على إدماج أفراد جيش التحرير في صفوف القوات المسلحة الملكية إدماجه برتبة ضابط صف ، وهي نفس المعاملة التي لقيها القائد محمود ولد باهاها والتي كانت سببا في التحاقه هو الأخر بصفوف البوليساريو.
وقد حضر عن القبائل الأخرى عدة زعماء وقيادات وشيوخ وأعيان أذكر منهم: علي بوعيدة الذي كان عاملا لإقليم طرفاية ،والقائد دحمان ولد بيروك والقائد محمد ابراهيم ولد عمر داوود ، البشير ولد عمر داوود ، حسن ولد دويهي والقائد محمد خر ، والمقاوم مولاي أحمد عزوز ......................
في هذا المؤتمر سيعلن الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله عن حل جيش التحرير وفتح الباب لانخراطه في صفوف القوات المسلحة الملكية .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق