الخميس، 18 نونبر 2010

الأسيــــــر836: رحلة العودة من الجحيم(الحلقة الأخيرة)


الأسيــــــر836:
رحلة العودة من الجحيم.....
"إذا لم تستطع أن تقولها فلا يمكن أن تهمس بها"، قولة الفيلسوف لودفيغ فيتغينشتاين.
بقلم: محمد الامين موراد.

من هذا التاريخ وإلى حدود السنة التي سأهرب فيها سأقضيها ما بين التمريض في المدرسة والعمل بالمزرعة ، وستشهد هذه المرحلة سيطرة تامة للأسرى على جميع مناحي الخدمات وسينسجون علاقات تجارية مع أفراد من البوليساريو، حيث تغيرت العقليات مائة وثمانون درجة من النضال إلى الاتجار.
كما سيطرت على سكان المخيمات بعد انطلاق مسلسل التسوية فكرة العودة ، بل قام الجميع بصناعة ما سمي بصناديق العودة ، والحق يقال أن الكل أصبحت أنظاره مشدودة للضفة الساحلية من الصحراء وينتظر الفرصة التي سيعود فيها إلى أرضه ووطنه.
            بقيت على حالي هذه إلى سنة 1995 حيث سألتقي مرة أخرى محمد عبد العزيز الذي كان يزور المزرعة وسألني عن أحوالي وأحوال الأسرى وأوضاعهم بشكل عام ، وفي نفس اليوم وعلى الساعة التاسعة ليلا سأفاجأ بقدوم مدير الأمن السيد: عبد الودود ولد البيظ وهو من قبيلة الركيبات أولاد عبد الواحد الذي أمر بنقلي إلى مقر الأمن العام بالرابوني حيث ألبسوني ملابس جديدة ونقلوني في سيارة خاصة إلى مدينة تيندوف وبالتحديد إلى منزل ولد حميميدي وهو أحد الركيبات الجزائريين والذي سيطلق سراحه من طرف الدولة المغربية بمعية خمسة من رفاقه ثلاثة أسرى مدنيون و إثنان عسكريون ، والمقصود من هذا أن أشاهد المعاملة التي سيحظى بها الأسرى المدنيون والعسكريون من طرف الحكومة الجزائرية.
            والحق يقال أن الاستقبال كان حارا وكان استقبال الأبطال،حيث وجدوا في انتظارهم بمطار تيندوف والي المدينة رفقة العديد من الشخصيات السامية وتم توشيح صدورهم بأوسمة إعتراف وامتنان لخدماتهم التي قدموها لوطنهم، وسيجد كل واحد منهم أربعة من النوق مربوطة أمام مقر سكناه والسكر والشاي منحة من طرف ولاية تيندوف، وسيمنح الأسرى المدنيون تعويضا ماليا تمثل في أجرة رقيب بالجيش الجزائري تحتسب لهم من تاريخ اعتقالهم إلى تاريخ عودتهم، فضلا عن راتب تقاعدي بنفس الرتبة ، أما الأسرى العسكريون فقد تمت ترقيتهم إلى رتبة مرشح ASPIRANT ، وقد بقي أحد الأسرى المدنيين من غير سكن فأمر الوالي بأن يبنى له سكن على النمط الذي يختاره هو وأن لا تتعدى مدة إنجاز هذا السكن الثلاثة أشهر.
            وقد مكثت بمدينة تيندوف مدة 15 يوم من دون أي وثيقة تعريف ومن دون أية فرصة للفرار إلى حين قدوم شاحنة عسكرية للبوليساريو والتي سأعود فيها إلى المخيمات ومنها إلى مركز اعتقالنا بمدرسة 09 يونيو.
            خلال رحلة العودة إلى المخيمات ستستوقفنا دورية مراقبة للجيش الجزائري ، حيث أمروا الجميع بالنزول من الشاحنة والاستلقاء على الأرض ووجوهنا ممرغة في التراب بشكل مهين ويصاحبها وابل من السب والشتم ، وبعد تفتيشنا أمرونا بالانصراف دون الالتفات للخلف , وبعد أن ركبنا الشاحنة ساد صمت رهيب فيها وتطلعت في أعين مرافقي من الحراس فرأيت فيها نوعا من الإحساس بالمهانة والمرارة ، وكان هذا الحادث كافيا بالنسبة لي لأعرف قيمة الصحراويين لدى من يدعون دعمهم ونصرتهم.
            بعد العودة لمدرسة 09 يونيو سأقضي بها مدة عشرون يوما من شهر مارس من سنة 1995 ، حيث سأتمكن من شراء رخصة مزورة لزيارة الأرياف مؤشرة من طرف وزارة الدفاع مقابل مبلغ ثلاثة ألاف دينار جزائري ، ليقوم أحد أبناء عمومتي، والذي لا أستطيع ذكر اسمه لأسباب أمنية لكون هذا الأخير لا زال بمخيمات لحمادة، هذا الأخير كان سائقا لدى أحد وزراء البوليساريو، سيستغل فرصة زيارة وفد إسباني لمدرسة 09 يونيو حيث أقيم له مهرجان فلكلوري تخلله بعض الأغاني الموسيقية والرقصات الصحراوية ، ليقوم بنقلي جنوبا نحو "مركز الحمرا" الحدودي والذي يبعد عن المخيمات بمسافة تقدر ب 90كلم.
            وصلنا المركز هذا والذي هو عبارة عن مركز للبدو به مجموعة من الخيام على حدود الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم، حيث استوقفتنا بالقرب منه دورية لأمن البوليساريو والذين سألوني عن هويتي فقلت لهم أني من الطوارق الذين انضموا للبوليساريو ، ذلك أني إذا قلت لهم غير ذلك لاكتشفوا أمري وذلك لخبرة الصحراويين المنقطعة النظير في الأصول والأنساب .
            سأبيت ليلتين في رعب وترقب بالمركز المذكور في انتظار قدوم سيارة متوجهة نحو القطر الموريتاني لكن دون جدوى، لأقرر في اليوم الثالث التوكل على الله والتوجه على قدمي صوب مركز"عين بن تيلي" الموريتاني والذي يبعد عن "مركز الحمرا" مسافة 200 كلم ، وبعد أن قطعت مسافة 20 كلم تراءت لي سيارة مدنية تعبر عباب هذه الفيافي فاستوقفتها ، حيث قبل سائقها نقلي مقابل مبلغ 25000 دينار جزائري لنصل في اليوم الموالي على الساعة الثامنة صباحا .
            سأبيت ليلة أخرى بمركز"عين بن تيلي" لأتوجه في اليوم الموالي في سيارة أخرى مقابل مبلغ 40000 دينار جزائري إلى "مركز لحفيرة" والذي يبعد مسافة 180 كلم عن المركز السالف الذكر ، وهو عبارة عن نقطة تجمع للبدو من المخيمات ومن القطر الموريتاني وأحد مراكز التهريب للمساعدات الغذائية من المخيمات تجاه موريتانيا ودول إفريقيا .          
            في ظهيرة اليوم الموالي ستنقلني سيارة تهريب أخرى إلى منطقة "حاسي لوقر" والتي عند وصولنا إليها سننتظر بها إلى حلول الظلام ، لننطلق ليلتنا تلك في اتجاه" حاسي أناجيم" ومنه واصلنا المسير حيث أصبحنا في حدود صلاة العصر على مشارف مدينة الزويرات الموريتانية، والتي لم ندخلها إلى أن أسدل الليل خيوطه، لخوف سائق السيارة من الشرطة الموريتانية وذلك لكونها محملة بالمواد الغذائية المهربة من المخيمات.
            وفي الصباح الباكر توجهت إلى محطة القطار الذي ينقل معدن الحديد إلى ميناء نواذيبو ، حيث منعني عنصران من الشرطة الموريتانية من صعود القطار لعدم توفري على أوراق تثبت هويتي ، فما كان مني ألا أن منحتهم مبلغ 17000 دينار جزائري رشوة ليسمحوا لي بركوب القطار المـتوجه إلى مدينة نواذيبو الموريتانية،حيث انطلق بنا القطار على الساعة الثانية عشر زوالا ولم نصل إلا في اليوم الموالي على الساعة السادسة صباحا.
            طيلة مدة أسبوع قضيتها ضيفا على عائلة عبد الله الفيلالي ربطت الاتصال بالقنصل المغربي السيد الحسين القبايلي من أجل ترتيب عودتنا إلى المغرب ، لكن بعد طول انتظار سأقرر العودة إلى أرض الوطن من خلال عبورالحزام الأمني بمنطقة بئركندوز الحدودية، وكانت فرحة العودة إلى أرض الوطن عندما وطأت قدماي التراب المغربي.
                                   وللقصة تتمة...............................................................


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق