كانت الداخلة وما تمثله من رمزية في تاريخ النضال الصحراوي للإنعتاق من ربق السيطرة الجزائرية على القرار الصحراوي الحر ، الداخلة المخيم الذي قرر الانتفاض على حفنة من القيادة الفاسدة المتاجرة بمعاناة الصحراويين والتي تريد للجوء و للحمادة المقفرة أن تكون الوطن السرمدي للصحراويين والعودة إلى الوطن في إطار حل تفاوضي توافقي بين طرفي النزاع هو الاستثناء ، و الداخلة الصحراء التي تمثل الاختلاف داخل الوحدة والتميز مع التناغم على موعد مع أول ندوة فكرية يتم تنظيمها تحت عنوان : "مقاومة الطرح الانفصالي داخل مخيمات تندوف" يومه الأربعاء 13 أكتوبر 2010 .
شيوخ تحديد هوية و أعيان ووجهاء قبائل ، عائدون و قياديون سابقون بالبوليساريو أبوا إلا أن يلبوا الدعوة ، ويقدموا شهاداتهم حول ما يسمى في أدبيات البوليساريو بذكرى "الوحدة الوطنية" و حول أحداث إنتفاضة 1988 ليتوحدوا في النهاية على ضرورة تكثيف الجهود من أجل مقارعة الفكر الانفصالي في عقر داره وخلخلة الأوضاع داخل مخيمات الرابوني في سبيل إتاحة المجال لبسط النقاش حول المبادرة المغربية القاضية بمنح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية والتي ستفضي في النهاية إلى سحب البساط من تحت أقدام المخابرات الجزائرية التي تحكم قبضتها على الصحراويين وتعد عليهم أنفاسهم خدمة لأجندتها السياسية التوسعية في المنطقة .
خلال هذا المقال المتواضع سنحاول أن ننقل بأمانة أقوى اللحظات و أصدق الشهادات التي جيشت وهزت مشاعر الحاضرين بهذه الندوة الفكرية الهامة.
ففي المحور الأول الذي خصص للحديث عن حقيقة إجتماع عين بن تيلي التاريخ يوم: 12 أكتوبر 1975 والذي قرصنت فيه البوليساريو شرعية تمثيليتها "للشعب الصحراوي" و غدت تحتفل فيه بذكرى "الوحدة الوطنية".
يرى سيد المصطفى العالم أحد العائدين وشيخ تحديد هوية أنه:"لا يمكن الحديث عن ذكرى للوحدة الوطنية في الخلاء و الفيافي القفار، فالبوليساريو كيان لا أرض له و لا مكان ولا زمان، في حين أن المغرب دولة ذات تاريخ عريق و ارتباطاتها بالقبائل الصحراوية تمتد لمئات السنين، وعليه فإن الوحدة الوطنية لا تبنى إلا على الوحدة التي نحن بصدد استكمالها، وعلى الجميع المساهمة في تحسينها و الدفاع عنها".
أما الشيخ شرفي سيد أمو فيرى أن العودة إلى التاريخ تحتاج إلى أكثر من ندوة ، و لكن يكفي الرجوع إلى سنة 1975 و ما أعقبها من عواصف و كوارث حلت بالصحراويين ،ذلك أن لقاء عين بن تيلي لا يقوم أساسا لقرصنة البوليساريو لشرعية تمثيليتها للصحراويين ، لأن شيوخ القبائل المنتخبون من طرف السكان و بشكل ديمقراطي هم الممثلون الشرعيون للقبائل الصحراوية.
أقوى المداخلات كانت للعائد عبد الله سلمى والتي عبر فيها عن أسفه للجوء الكثير من مثقفينا إلى الكتابات الأجنبية و خاصة الاستعمارية وهي في نظره لا تؤسس إلا لحقائق مزيفة.
فإجتماع عين بن تيلي الذي كان من بين الحاضرين به تم يوم: 09 أكتوبر 1975 ، وقد حضرته شخصيات وطنية ك: علي حرمة الله ، ماء العينين امغيزلات ،خطري ولد الجماني رحمه الله ، أحمد بويا ولد البشير ، فراجي ولد الناجم ، السلمي ولد الشين، الديه ولد النوشة والشيخ الوقور حمادي ولد أحمد حمادي . وعليه فإنه ومن أجل بناء خطاب قوي و ذي مصداقية للدفاع عن وحدتنا الترابية يجب أن يبنى هذا الأخير على حقائق ذات مصداقية مستقاة من شهادات حية للأشخاص الذين حضروا وعايشوا الحدث.
و يضيف عبد الله سلمى أن هذا الاجتماع الذي تسوق له البوليساريو كذكرى للوحدة الوطنية كان النقطة التي أفاضت الكأس وبداية الإنشقاق داخل صفوفها ، بعدما تأكد للجميع مصادرة القرار الصحراوي الحر من طرف الجزائر ليقول الولي مصطفى السيد قولته الشهيرة:"لقد جنيت على شعبي".
وفي نفس السياق يؤكد الأستاذ رحال بوبريك أن البوليساريو تأسست على معارضة و تضاد مع مفهوم الوحدة الوطنية بتبنيها فكرا واحدا وشموليا يقو م على إقصاء القوى السياسية الصحراوية الأخرى ( الشيوخ و أعضاء الحزب الوطني الصحراوي ) و اتهامها بالعمالة و الخيانة ، فهي المالكة الوحيدة للحقيقة و كل من يخالف رأيها فهو خائن وعميل.
سياسة الفكر الواحد والنهج الواحد والضغط الممارس على سكان المخيمات سيكون سببا رئيسيا في تفجير إنتفاضة 1988 موضوع المحور الثاني من الندوة.
ذلك أنه حسب القيادي السابق بالبوليساريو السيد:أحمدو ولد اسويلم فإن هذه الأحداث لم تكن وليدة الصدفة و لم تكن مجرد رد فعل عاطفي غاضب ، و إنما كانت نتيجة لتراكمات و محصلة لإستعداد سياسي ومعنوي لمواجهة زيف أطروحة هذا التنظيم . لقد كانت بحق "ملحمة وطنية" يحق لكل فرد من الصحراء أن يفاخر بمساهمته في تفجيرها.
لقد شكلت هذه الأحداث قطيعة مع الماضي و فتحت بادرة للتحرر من الظلم والجور و مكنت الصحراويين من إسترجاع قرارهم.
و يبدو أن تدخلات جل المتكلمين قد توحدت حول أن هذه الانتفاضة المباركة كانت محصلة لوضع سياسي كارثي بالمخيمات سمتها الغالبة الشعور بالإحباط العام واليأس دون إغفال المعطى الدولي المتمثل في بداية تداعي المعسكر الشرقي فضلا عن الأزمة السياسية الخانقة بالجزائر ، مما ولد قناعة لدى الإطارات والكوادر الصحراوية بأن المخيمات لا يمكن أن تبقى جزيرة بمنأى عن رياح التغيير التي يعرفها العالم.
فكانت الصرخة و كان الأنين النابع من أعماق المعاناة الصحراوية ضد سياسة الترهيب والتخوين و سياسة الشبكات ، وهي الصرخة التي لازال يتردد صداها إلى اليوم الذي سيعلن فيه المناضل الصحراوي الأغر مصطفى سلمى ولد سيدي مولود الذي سيعلن بالفم الملآن : لا لقيادة الرابوني، لا للفكر الواحد ، لا للفهم الواحد لمبدأ تقرير المصير ، ألا يحق لأي صحراوي أن يكون له رأي مختلف و فكر مختلف و توجه مختلف عن فكر القيادة الفاسدة .
ألم يقلها البشير مصطفى السيد بصريح العبارة في الإستجواب الذي خص به جريدة الصحراء الحرة بتاريخ: الثلاثاء 27 أبريل 2010 حول أسباب عودة بعض القيادات و الأطر من البوليساريو للمغرب:" في الحقيقة الأسباب و في العموم ثلاثة وأولها طبيعة الشخص وثانيها الواقع المزري و جوانب الضعف و السوء فيه ، وما تشيح و توحي و توخز و تدفع به تجاه الشخص وقدرة الشخص على تحمل هذا الواقع و على التفاعل معه ، و العامل الثالث هو طبعا القيادة ، وأعني موقفها والقائل بأن من هرب يؤكد أن من انتقد سيهرب وسيخون وهذا مهم جدا ، ومن لا يهربون هم من لا ينتقدون ، ولكن من لا ينتقد هو الراضي وهو الموهوب والذي يتمتع بالعناية .....و لسنا ندري ماذا سيكون رد فعلها في اليوم الذي سينزع منها ما بين أيديها ؟.. و النخبة و القيادة الحاكمة تجد في أن من انتقد و تذمر لا محالة سيهرب إلى العدو ، ولهذا يجب أن لا نتذمر و إنما أن نهلل و نزمر و نصفق ونرضى" .
لقد آن الأوان للصحراويين أن يتجاوزوا خطاب التخوين والعمالة والتفكير في مستقبلهم السياسي بعيدا عن الأجندات السياسية للقوى الإقليمية بالمنطقة والتي لا تتقاطع بالضرورة مع مصالح الصحراويين .
لقد آن الأوان للصحراويين أن يتجاوزوا خطاب التخوين والعمالة والتفكير في مستقبلهم السياسي بعيدا عن الأجندات السياسية للقوى الإقليمية بالمنطقة والتي لا تتقاطع بالضرورة مع مصالح الصحراويين .
كما أن القيادة السياسية للبوليساريو اليوم وقد أطفأت شمعتها السابعة والثلاثين ،وهي مدة من الزمن غير هينة، و ودعت أحد رجالاتها الكبار المحفوظ علي بيبا رحمه الله مدعوة إلى تحمل المسؤولية التاريخية تجاه الصحراويين بشكل عام والتحلي بالواقعية السياسية ، فالقضية الصحراوية مهما كانت شرعيتها لن تكون أكثر شرعية و عدالة من القضية الفلسطينية (مع التحفظ على المقارنة) التي انتهى بها المطاف إلى سلطة فلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة، و بالتالي فهي مدعوة إلى التفكير مليا في جدية الطرح المغربي ، و إلا فإنها ستظل تنتظر إلى ما لا نهاية مطيلة بذلك عذاب ومعاناة اللاجئين الصحراويين.
كما أن المجتمع الدولي مدعو إلى الضغط و بقوة على الجزائر لتدع الصحراويين يختارون بحرية تقرير مصيرهم من خلال جهوية متقدمة داخل سيادة الدولة المغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق